التبوريدة: تاريخها وأصولها العريقة

التبوريدة

التبوريدة: تاريخها وأصولها العريقة

التبوريدة، أو فن الفروسية التقليدية، تُعد من أعرق التقاليد المغربية التي تجسد روح الفروسية والشجاعة. تُمارس هذه الفنون منذ قرون في مناطق مختلفة من المغرب، وهي ليست مجرد استعراض، بل تحمل أبعادًا تاريخية وثقافية عميقة. فما أصل التبوريدة؟ وكيف نشأت وتطورت عبر الزمن؟ وما هي الأوامر والمصطلحات التي يستخدمها الفرسان أثناء هذا العرض الفريد؟


أصل التبوريدة


ترجع أصول التبوريدة إلى التقاليد الحربية للعرب والأمازيغ في شمال إفريقيا، حيث كانت الفروسية تُعتبر مهارة أساسية للمحاربين. يُقال إن مصطلح "التبوريدة" مستمد من كلمة "البارود"، في إشارة إلى استخدام البنادق التقليدية خلال العروض.


يُعتقد أن التبوريدة ظهرت في شكلها الأولي خلال القرن الخامس عشر أو قبله، حيث كانت القبائل المغربية تعتمد على الفروسية كوسيلة للدفاع عن أراضيها من الغزوات والهجمات. مع مرور الوقت، تحولت هذه العروض العسكرية إلى تقليد احتفالي يُمارس في المناسبات الكبرى مثل حفلات الزواج، المواسم، والمهرجانات الدينية.

التبوريدة


تطور التبوريدة عبر الزمن


في البداية، كانت التبوريدة تمثل تدريبًا حربيًا للفروسية، لكنها سرعان ما تحولت إلى شكل من أشكال الاستعراض الفني والتقليدي. خلال العهد السعدي (القرن 16)، ازداد الاهتمام بهذه الفنون، وأصبحت جزءًا من التقاليد الملكية والعسكرية.


في العصر العلوي، وخاصة خلال حكم السلطان مولاي إسماعيل (1672-1727)، كانت التبوريدة تُستخدم كوسيلة لإظهار قوة الفرسان والتعبئة العسكرية. وظل هذا التقليد متجذرًا حتى يومنا هذا، حيث يتم تنظيم مهرجانات سنوية تستقطب آلاف المتفرجين، مثل مهرجان الفروسية في الجديدة.


طقوس التبوريدة وأوامر المقدم

الطقوس

تتطلب التبوريدة مهارات دقيقة في ركوب الخيل واستخدام البندقية التقليدية. يُشكل الفرسان صفًا مستقيمًا يُعرف بـ"السربة" بقيادة شخص يُسمى "المقدم"، والذي يعطي الأوامر للحركة وإطلاق النار بشكل متزامن. تشمل المراحل الأساسية للتبوريدة:


1. الدخول: حيث يدخل الفرسان إلى ساحة العرض ببطء، مستعرضين مهاراتهم في التحكم بالخيل.


2. الاندفاع: تنطلق السربة بسرعة في خط مستقيم، وهو الجزء الأكثر إثارة.


3. إطلاق النار الجماعي: في لحظة موحدة، يُطلق الفرسان رصاصات البارود في انسجام تام، مما يخلق دويًا قويًا يرمز إلى القوة والهيبة.


4. التوقف المفاجئ: يتوقف الفرسان في نفس اللحظة بعد إطلاق النار، مما يتطلب مهارة فائقة.


أوامر "المقدم" خلال التبوريدة


خلال هذه المراحل، يستخدم "المقدم" أوامر محددة لضبط الإيقاع وضمان التنسيق بين الفرسان، ومن أبرزها:


- "الخيل!" – نداء لتنبيه الفرسان وتحفيزهم على الاستعداد والانطلاق.


- "المكاحل!" – إشارة إلى البنادق التقليدية (المكحلة)، وتعني تجهيز السلاح استعدادًا لإطلاق النار.


- "سِيرُو!" – تعني "انطلقوا!"، وهي الأمر الذي يعطيه المقدم عند بدء العدو بالخيل.


- "أعطيو البارود!" – أمر بإطلاق النار الجماعي في اللحظة الحاسمة.


- "حَزُّوا!" – يُطلب من الفرسان أن يشدوا اللجام للتحكم في الخيل.


- "رْدُّوا!" – تعني الاستعداد لتخفيف السرعة أو التوقف بعد الاندفاع.


- "الدَّوَرَة!" – تعني الاستعداد لجولة جديدة في العرض.


- "التَّوْحِيد!" – يشير إلى التزامن في الحركة بين أفراد السربة أثناء التبوريدة.



التبوريدة اليوم


رغم أنها كانت تقليدًا حربيًا في الماضي، أصبحت التبوريدة اليوم رمزًا للهوية المغربية وتراثًا ثقافيًا يُحتفى به. تُقام منافسات التبوريدة في جميع أنحاء المغرب، وتحظى بدعم رسمي، حيث تم الاعتراف بها كجزء من التراث اللامادي المغربي من قِبل اليونسكو.


التبوريدة فخر  الثرات المغربي

التبوريدة ليست مجرد فن استعراضي، بل هي جزء من تاريخ المغرب العريق، حيث تروي قصص الشجاعة والولاء والفروسية. من خلال تطورها عبر العصور، أصبحت رمزًا ثقافيًا يجمع بين الماضي والحاضر، مما يضمن استمرارها كجزء أساسي من التراث المغربي. وبفضل المصطلحات والأوامر الفريدة التي يستخدمها الفرسان، تبقى هذه الفنون التقليدية شاهدًا على براعة المغاربة في فن الفروسية والبارود.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الحلقة الثالتة : الملف التقني لسلالة الخيول شير (Shire Horse)

معجزة في مضمار السباق

برنامج النسخة الـ 32 لكأس رئيس الدولة للخيول العربية الأصيلة لعام 2025

ووريور، الحصان الذي لا يُقهر

الفريسيان - فخر الخيول الهولندية

الجزء الرابع : أشهر فرسان العرب وارتباطهم بخيولهم

الجزء الخامس : الخيول المشهورة في المعارك والغزوات عند العرب

يوم الخيل العربي