رحلة مالك و جواده ظلام
مالك وظَلام: رحلة الفارس في ظلمات الغابة المسحورة
في أزمنةٍ غابرةٍ حيث كانت السيوف
تفصل الحق عن الباطل، وحيث كانت صهواتُ الخيل منابرَ الشجعان، عاش فارسٌ يُدعى مالك
بن السّرايا، كان بين قومه كالشهاب اللامع، نصلُ سيفه لا يُضاهى، ودهاؤه في
المعارك يُروى على ألسنة الرجال.
أما جواده "ظَلام"، فكان آيةً في الخلق، فَرسٌ كأن الليل صُبَّ
على جسده صبًّا، عيناه كجمرتين متّقدتين، إذا عدا أظلمت الأرض من غبار حوافره،
وإذا جمح خُيّل للناظر أن الريح ذاتها تلهث خلفه عاجزةً عن اللحاق به.
وذات يوم، جاء رسولُ الملك يُعلن في
الأسواق والدُّور:
"أيها
الفرسان، يا سادة السيف والرّمح، إن في قلب الغابة المسحورة كنزًا لا يقدر بثمن،
لكن دونه سبع عقبات، ومَن اجتازها كان حقيقًا بأن يُخلّد اسمه في صحائف الأبطال!"
أخذ مالك يُقلّب الأمر في نفسه، ثم
اعتلى ظهر ظَلام وقال:
"إن
العزّة لا تُوهب، بل تُنتزع انتزاعًا، وإن في المحن فرصًا لا ينالها إلا الأشدّاء،
فلنذهب يا ظَلام!"
الفصل الأول: حراس النّهر والعبور المستحيل
حين بلغ الغابة، بدا كل شيءٍ ساكنًا،
إلا أن السكون كان يخفي أنفاسًا تترصّد، وعيونًا تراقب في الدجى. ثم تراءى له نهرٌ
عظيم، مياهه كسائل الفضة، لكنه لم يكن نهرًا عاديًا، فقد كان حارسه "ملك
الماء"، كائنٌ هائل، جلده كالقشور المتلألئة،
وعيناه كقطع الياقوت الأزرق، وإذا تكلّم ارتجّت الأرض.
قال بصوتٍ كالرعد:
"أيها
الفارس، لا عبور لك إلا إن قدّمت لي شيئًا أعزّ عليك من روحك!"
ابتسم مالك بسخرية، وأجاب بصوتٍ ثابت:
"إنما
تُطلب النفائس ممن يملكها، أما أنا فليس في الدنيا ما هو أعزّ عندي من مجدي، فكيف
أقدّمه لك وأنا ما جئت إلا لأزيده؟"
ثم أخرج من جرابه قنينةً صغيرة، فيها
ماءٌ مقدّس أخذه من شيخِ حكماء الصحراء، وسكب منها قطرةً على الأرض. في الحال،
انشقت المياه، وتراجع ملكُ النهر وهو يقول:
"لقد
غُلبتَني يا فارس العرب، اعبر فإنك أهلٌ للمضيّ قُدمًا!"
الفصل الثاني: طائر الجحيم وعباءةُ الريح
مضى مالك، حتى وجد نفسه في وادٍ تحيط
به جبالٌ سوداء كأنها أنياب الوحوش، وفجأةً انقضّ عليه طائرٌ هائلٌ ذو جناحين
من نار، يُقال له "الرُّخ الحارق"،
كان يحرق الهواء من حوله، حتى صار المكان أشبه بجحيمٍ مفتوح.
أدار مالك عينيه يبحث عن مَخرج، حتى
لمح مغارةً صغيرة في إحدى الصخور، فانطلق إليها بسرعة. عند مدخلها، وجد عباءةً
سوداء تتماوج كالدخان، فأدرك أنها "عباءة الريح"،
وهي رداءٌ مسحور يجعل لابسه خفيفًا كالهواء.
ارتداها بسرعة، وما إن خرج من
المغارة حتى قفز عاليًا، وأصبح خفيفًا كريشةٍ في مهبّ العاصفة. طار فوق الطائر
الجحيمي، ثم هتف بصوتٍ كالصاعقة:
"أيها
الطائر، إن كنت نارًا، فأنا من أطفأ الشرر!"
ثم أخرج من جرابه رمحًا صغيرًا، صنعه
الحكماء من جليد القمم العالية، ورماه نحو قلب الطائر، فارتجّ المكان، وتلاشى
الوحش كأنه لم يكن.
الفصل الثالث: المتاهة الخادعة والعين الثالثة
تقدّم مالك حتى دخل متاهةً عظيمة،
جدرانها كالمرايا، يرى فيها انعكاس صورته آلاف المرات. فجأةً، سمع صوتًا عميقًا
يقول:
"لن تجد
طريقك إلا إن رأيت بعينٍ ليست لك!"
أدرك أن الأمر خدعةٌ بصرية، فأغمض
عينيه، واعتمد على إحساسه بدلاً من بصره. شعر بحفيف الهواء، وتنفس الأرض، وسمع
دبيب الأفعى التي تحاول التسلّل، فشق طريقه بخطواتٍ ثابتة، حتى خرج إلى النور،
تاركًا المتاهة خلفه.
الفصل الأخير: تنينُ الظلام والمجد الأبدي
حين وصل إلى قلب الغابة، رأى أمامه
الكنز العظيم، لكنه كان محروسًا بأعظم مخلوقات الأرض: "تنين الظلام"،
كانت عيونه جمرًا متوهجًا، وزفيره ينفث الدخان السامّ، فإذا مشى، اهتزّت الأرض تحت
ثقله.
وقف مالك بوجهه، وقال بصوتٍ ملأ
المكان رهبةً:
"إن كنت
ملك الوحوش، فأنا ملك الفرسان، ولن أعود إلا وأنا غالب!"
زمجر التنين واندفع نحوه كإعصارٍ
مدمر، لكن مالك كان أسرع، التفّ حوله بفرسه ظَلام، ثم قفز عاليًا مغتنمًا
لحظةً قصيرة كشف فيها التنين نقطة ضعفه أسفل عنقه، فسدد ضربةً خاطفة بسيفه الماسي،
وإذا بالتنين يهوي أرضًا، متحوّلًا إلى غبارٍ متلاشي.
تقدم مالك وأخذ جوهرة القوة
الخالدة، ومنذ ذلك اليوم، صار اسمه يُذكر في أروقة القصور، وعلى ألسنة
الشعراء، وكتب في التاريخ:
"مالك بن
السّرايا، فارسٌ لا يُقهر، وعقلٌ لا يُخدع، وقلبٌ لا يعرف الخوف."
المغزى من القصة:
لا ينتصر في الحياة الأقوى جسدًا، بل
الأذكى عقلًا، والأجرأ قلبًا، والأكثر إيمانًا بقدره.
تعليقات
إرسال تعليق